هادي جلو مرعي
في النهاية سيكون الإنسان بغض النظر عن جنسه ولونه وعرقه والبلد الذي ينتمي له، والمكان الذي يعيش فيه، والمنصب الذي يشغله، والمال الذي يملكه حراما كان، أو من حلال في حفرة لوحده مطمورا فيها بكفن لايساوي قيمة صرماية، أو رمادا تذروه الرياح بحسب تقاليد بعض الشعوب التي تحرق جثث موتاها، أو جثة ملقاة على جبل من جبال هملايا مقطعا بساطور شخص محترف تنهش لحمه النسور ثم توضع العظام في حفرة، أو أوأو... هو بحاجة الى عمل صالح ينقذه من الورطة في مواجهة الله في الآخرة إذا كان مؤمنا، أو ليعيش إنسانيته إذا لم يكن مؤمنا بما ينتظره بعد الموت.
في مطعم غربي جلست وصديق، وكانت النادلة تنافس صديقتها لتقديم خدمة لكلينا، ودخل صبي لطيف المنظر، يبدو الحياء مرسوما على وجنتيه، ويحمل حقيبة كتلك التي يحملها بعض مثقفينا دون أن نعي مافيها، وكان يعرض المناديل الورقية التي يبيعها على الجالسين، بينما كانت النادلة وزميلتها تحاولان إبعاده وصرفه الى خارج المطعم، لكنه أصر بأدب وبحوار هادي، ودون ضجيج أن يقنعهما بالبقاء. ناديت عليه بلغة إنجليزية هزيلة تشبه قوام (زوجة باباي الفلم الكارتوني الشهير) وطلبت إيه الحضور عند طاولتي، وأخذ صديقي منه بعض تلك المناديل، ثم قررنا أن يجلس على طاولة جوارنا، وقدمنا له بعض المال، ثم سألناه: هل هو جائع؟ فأشار بوجهه بنعم، وأمرنا النادلة المتعجرفة، أو المكرهة بحكم عملها على إبعاده أن تأتي له بالطعام، وقام صديقي من مكانه، ودفع الحساب، وطلب من النادلة أن تأتيه بمايريد، إضافة الى بعض المشروبات، وكانت إحدى النادلتين ترمقه بنظرات حادة إضطرتني أن أعود الى إنجليزيتي الهزيلة، وقلت لها، إنه صديقي وهكذا عليك أن تعامليه، وقد دفعنا الحساب كاملا، وليس من حقك، ولامن حق الإدارة طرده، وعليك أن تأتي بالمزيد من الطعام، وأن تقدمي له كل الإحترام اللازم، ثم أخرجت أوراقا نقدية ودفعتها إليه، وناديتها وزميلتها وأعطيتهما أكثر مما أعطيته فرضيتا وهدأتا، ولم نغادر المكان حتى غادر بإطمئنان وشبع، وكان الطقس باردا للغاية.
سألته: إن كان يملك هاتفا؟ فأجاب بالنفي، لكنه أردف: إن والده يملك هاتفا، وخشيت لو أعطيته ثمن هاتف أن يسلبه والده المال، ولاينتفع بهاتف، حييته وغادرنا. وبقي عالقا في ذهني. ومثل هذه الحوادث البسيطة هي في غاية الأهمية لأنها تستفز كوامننا، وتصدر من دواخلنا منتجا جيدا يعبر عن جودة إنسانيتنا.. في الطائرة سألني صديقي عن أفضل ماعلق بذاكرتي من هذه الرحلة؟ فقلت: منظر الفتى الهادي الطباع، ومافعلناه معه من سلوك يعبر عن وجداننا، ومايريده الرب منا.
0 تعليقات
نرحب بتعليقاتكم