حيتان الفساد المالي والإداري في العراق

حيتان الفساد المالي والإداري في العراق


كتب- صادق فاضل التميمي

حمل الغزو والاحتلال الامريكي البريطاني للعراق معه عدته في الفساد وأوجد بيئته ودرس نفوس مريديه وازلامه واستطاع توظيفه واستخدامه في التنفيذ والتطبيق العملي وتوفير كل ما يخدمه ويكرسه ويسوقه ويزوقه والأخطر تزكيته وتبريره وتضليله، فاتسع إطاره وانفتح مجاله، حتى بات مسيطرا ومهيمنا، اسما ومحتوى.

في الأرقام والإحصاءات اصبحت ثروات البلاد بيد ثلة لا تتجاوز نسبتها اصابع اليد الواحدة ومن الطبيعي ترسم لها هرمها الوظيفي لتحطم امال الحاضر والمستقبل والأجيال والإعمار. ويتحول الشعب الذي يجلس على أرض عامرة بالكنوز والموارد فقيرا ومحروما وجائعا بكل وضوح. تعبر عن المشهد مناظر قاسية، متناقضات ومفارقات،قصور شاهقة واسعة واكواخ طين وصفيح، بعثات دراسية في الخارج لأبناء الطبقة السياسية المتنفذة ومدارس الداخل من طين وخشب مكدسة بالطلاب، العلاج في مستشفيات في عواصم أخرى ومدن البلاد بلا مستوصفات. لوحات رسوم كاريكاتيرية كوميدية أو افلام خارج المهرجان والتحكيم. وفي السجلات الدولية يأتي تسلسل العراق في آخر البلدان النزيهة والشفافة واول القوائم في الفساد والخراب. اي مهزلة هذه وتراجيكوميدية متقنة الصنع والحبكة والاخراج؟!. أرقام فلكية في الميزانيات السنوية ولا حصاد منها يقنع طفلا صغيرا به.

مضحك أو مبك ما يقرأ عن كارثة الفساد في العراق، ومحزن أن تسمع كلاما كثيرا، أشبه بجعجة بلا طحين، ولا ثمر يجنى ولا انتهاءا موعودا. كل الحكومات التي حكمت العراق بعد الغزو اشتركت في صناعة الفساد باسمه، وعملت بضمنه وسخرت عقولها لأدائه، وجعلته مقدسها، أو صنمها الذي يعوضها في صحوتها.

ليس آخرا ما يجري اليوم في الساحات العراقية، حراك شعبي يتسع مداه، سببه الاول واسه المعلن: الفساد. كل من وصل إلى الحكم، مسؤولا عنه، حاكما أو موظفا في دائرة الحكم، والأغرب به أن من ادعى مسؤولية أعلن ورقته عن الفساد، وإجراءاته في محاكمته ومحاسبته، ومرت الأعوام والأيام ولم يمسك أحد من المتهمين أو الذين فضحوا واصبحوا كالاعلام تحت الاضواء. حتى بات التباهي بالفساد متلفزا، بالصوت والصورة، إقرارا واعترافا، ولا سؤال عنه أو خشية منه أو من محاسبة أو نزاهة. لا هذا وحده، بل صارت البرامج الحوارية مضرب أمثال وتقديم أدلة وشهادات اثبات، وكأنها في مسرح أو عرض سينمائي وحسب.

انتفضت الجماهير الفقيرة وصرخت الأجيال المحرومة ونطقت الفئات المهمشة أو المتوسطة أو القواعد الشعبية للسلطات، بسبب الفساد والنهب والثراء على حساب مطالب الشباب وحقوق الناس وخدمات المجتمع، فناهض الحراك المتسع حالة الفساد وتفرعاتها وتداعياتها وامتداداتها المتشعبة، لتصبح عنوانا يضم تحته مسببات الخراب والصراع، المحاصصة والطائفية والمذهبية والانقسام والتشتت والفتنة وارتداداها العنقودية. وامام كل هذا لم ترتفع إجراءات الحكومات الى مستواها، وحدود الأزمات وتفريخاتها، إذ ظلت ألفاظا جوفاء لم تقترب من حيتان الفساد، تاركين لهم التحكم والتدمير والقرارات التي استمرت طيلة الفترة من ايام الغزو والاحتلال والى أيامنا هذه.

كل حاكم يصرح بالمكافحة للفساد وفي الختام ينتشر أكثر من سابقه، وكأنه يشجع عليه تحت غطاء مكافحته. مئات الملفات للفاسدين تعرض في المؤتمرات الإعلامية وندوات مجلس النواب، وتتبادل " الاتهامات" لقاءات الفضائيات، وكلها هواء في شبك.

إرسال تعليق

0 تعليقات