بين الصورة الذهنية والواقع

بين الصورة الذهنية والواقع


بقلم-  الدكتور محمد زهير – بغداد – الرياض –  بين الصورة الذهنية والواقع

ألقى التوتر في العلاقات بين السعودية والعراق طوال عقود من الزمن بظلاله على الصورة الذهنية للشعبين وتصوراتهما حول التحولات الحاصلة هنا وهناك، وبقيت هذه الصورة حبيسة أيدلوجيات الإعلام المظلل في اغلب الأحيان. لكن الانفتاح الكبير في العلاقات بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية، شكل نقطة التحول الفاصلة في العلاقة بين الشعبين الجارين الذين تربطهما الكثير من المشتركات.

من التجارب النادرة والمثيرة التي تعكس التطور الحاصل في العلاقات بين البلدين هي الدعوات التي وجهتها وزارة الإعلام السعودية لعدد من القنوات الفضائية العراقية. وكان لقناة الانبار حضور في تغطية فعاليتين مهمتين احتضنتهما العاصمة السعودية الرياض، هما معرض الرياض الدولي للكتاب في تشرين الأول من عام 2021، وتغطية فعاليات ملتقى الأعمال السعودي العراقي في كانون الثاني من العام الحالي.

على مستوى التنظيم نستطيع القول أن القائمين على إنجاح الفعاليات إعلاميا يمتلكون رؤية وخطة واضحة، فما إن تطأ قدميك مطار الملك خالد في الرياض حتى يستقبلك موظفو وزارة الإعلام وهم يرحبون بك وكأنهم يعرفونك منذ سنوات، لتصل بعدها إلى مقر إقامتك في إحدى فنادق الرياض الفاخرة، ليكون جدول أعمال الزيارة أمامك، وقد تم ترتيبه باحكام.

بالنسبة لتغطية فعاليات ملتقى الأعمال السعودي العراقي كان القائمون على تنسيق الفعاليات الإعلامية عازمون على أن يكون كل شيئا واضحا ومخططا بشكل استثنائي، وحتى يستثمر وقت الزيارة المقرر بعشرة أيام بالشكل الأمثل وحتى يطّلع الوفد الإعلامي العراقي عن قرب على تجارب المملكة عن قرب، فقد وضع المنسقون خطة لزيارة أماكن تراثية وتاريخية بالإضافة إلى وزارات ومؤسسات حكومية، ناهيك عن المدن الترفيهية والأسواق.

المبهر في الرياض هو التحول الجذري الحاصل على المستويات الاقتصادية والتقنية والعمرانية والاجتماعية وغيرها، فعند الذهاب للقاء المسؤولين عن وزارة أو هيئة معينة تجد أن تعاملات هذه الجهة مع مراجعيها قد تحولت إلى تعاملات الكترونية بشكل تام، فلكل مواطن أو مستفيد ملف، ولا يتجاوز انجاز إي معاملة سوى دقائق معدودة. وهذا ما لمسناه عند زيارتنا لوزارات العدل والنقل وهيئة الذكاء الصناعي بالإضافة إلى هيئة الآثار والتراث ووزارة الاستثمار وغيرها من المؤسسات الأخرى.

في الرياض مدينة مالية بأبراج حديثة عديدة صممت بشكل هندسي رائع عندما تتجول داخلها برفقة شباب وشابات بملابسهم الحديثة ولغتهم الانكليزية الرائعة، تتخيل انك أخطأت الوجهة فمثل هذه الأماكن تتواجد في طوكيو أو نيويورك، ولم يكن يخطر في بالك انك قد تجدها في الرياض. وتستمر دهشتك عندما تدعى إلى زيارة البوليفارد وهي مدينة ترفيهية فيها المطاعم والمسارح والسينمات بالإضافة إلى الألعاب الخاصة بالصغار والكبار، ناهيك عن العمارات الحديثة التي تستغلها الشركات المحلية والعربية والعالمية. في البوليفارد ما ان تشعر بالجوع حتى تجد المطاعم وان كنت من عشاق الطعام الايطالي ستجد مطعم ايطالي أما إن كنت من عشاق الطعام العراقي فستجد فرعا لمطعم صمد هناك، هذه المدينة أنجزت في وقت قياسي لم يتجاوز الأربعة أشهر، وبإمكانك الاستمتاع بسهرة ممتعة مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي حظيت بمسرح ومتحف داخل هذه المدينة، وكذلك الأمر بالنسبة للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.

نبض الرياض هو فعالية سنوية تعرف بتراث وثقافة المملكة وبإمكانك أن تتعرف من خلال عروض فنية وتراثية حية وسط العاصمة على رقصات ودبكات سائدة في مناطق المملكة الشاسعة، وكذلك أن تتذوق نكهات قهوتها العربية المميزة، وطعم تمرها السكري بأنواعه المختلفة وجودته العالية.

لا تنتهي قصة الاطلاع على تاريخ المملكة الحديث في قصر المصمك وسط مدينة الرياض؛ إذ يصطحبك المرشد الأثري والتاريخي داخل هذه القصر في رحلة تاريخية تجسد تاريخ المملكة الحديث، وكذلك الأمر بالنسبة لمنطقة الدرعية القديمة والتي أدرج جزء منها ضمن لائحة التراث العالمي ففي هذه المدينة قصور ومتاحف تعكس ماضي المملكة العربية السعودية وتطورها وصولا إلى عهد الملك سلمان.

لا تنتهي الانطباعات داخل مدينة الرياض بلقاء المسؤولين وزيارة الأماكن التاريخية والترفيهية فحسب، فالزائر المتطلع للمعرفة يجد أن الالتزام بالقانون والنظام يفوق التصور فالجميع ملتزمون بالسرعة المقررة في قيادة السيارات، كما أن الجميع ملتزم بلبس الكمامات الطبية، والتدخين ممنوع في الأماكن العامة، ولا تجد من يخرق القوانين والقواعد.

ما يثير الدهشة داخل المملكة العربية السعودية هو التحول الكبير الحاصل بالنسبة للمرأة،وعندما نتحدث عن المرأة لابد لنا ان نشير الى وجود دبلوماسية سعودية تعمل في السفارة هي الوحيده بين السفارات الخليجية والعربية والاسلامية العاملة في العراق اسوة في بعثات الدول الغربية، وهو دليل ومؤشر كبير لما وصلت له المرأة في المملكة وحجم العلاقات بين البلدين، كذلك فان النساء داخل الرياض يعملن في جميع الأماكن فمن المطارات إلى مؤسسات الدولة والقطاع الخاص إلى الأسواق والمولات تجد النساء فاعلات ويعملن كما الرجل في مختلف القطاعات، كما أن الكثير من النسوة في السعودية يمتلكن سيارات خاصة وهن من يقدن هذه السيارات، على العكس من الصورة النمطية المأخوذة عن المرأة السعودية في الإعلام، والتي تصور النساء كتابعات سلبيات للرجل، محرومات من ابسط الحقوق.

تشهد المملكة العربية السعودية نقلة نوعية وكمية في مختلف المجالات والقطاعات، فسياسة الانفتاح السياسي على العراق والعالم تلمس نتائجها في الداخل السعودي وفي الخارج أيضا، وما التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتقنية، إلا انعكاس لرؤية وإستراتيجية واضحة ومخططة من قبل الحكومة السعودية ومؤسسات الدولة. ويشكل انفتاح المملكة على العراق من اجل تذليل جميع العقبات التي تقف بوجه ذلك.

إرسال تعليق

0 تعليقات