هل يفجر انتخاب برهم صالح رئيسا للعراق الأوضاع في كردستان؟

هل يفجر انتخاب برهم صالح رئيسا للعراق الأوضاع في كردستان؟




بانتهاء معركة كسر العظم بين الأحزاب الكردية وانتخاب برهم صالح، رئيسا جديدا لجمهورية العراق، يدخل إقليم كردستان مرحلة صراع سياسي تتعمق فيه الخلافات بين الأحزاب الكردية الرئيسية وتهدد بترسيخ تقسيم الإقليم وتنقل آثارها على المشهد العراقي برمته. 
 ففي أعقاب حسم البرلمان الاتحادي معركة اختيار رئاسة الجمهورية من خلال انتخاب القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح، رئيسا لجمهورية العراق، شن الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، حملة من الانتقادات الحادة على طريقة اختيار صالح وسلب «أحقيته» في هذا المنصب.
وعد الحزب الديمقراطي ما حصل تحت قبة البرلمان الاتحادي «تخريبا وضربا لمبدأ التوافق بين قوى إقليم الشمال» مؤكدا ان «منصب رئاسة الجمهورية وطريقة اختيار شاغله هذه المرة، لا يمثلان شعب كردستان ولا استحقاقاته». وذكر بيان الديمقراطي، أن منصب رئاسة الجمهورية، لم يكن حكرا على طرف سياسي بعينه (في إشارة إلى الاتحاد الوطني) وأن العادة جرت دوما على حسم المنصب في إطار التوافق بين القوى السياسية في الإقليم، وان «ما أقدم عليه الاتحاد الوطني، هذه المرة، هو ضرب وتخريب لهذا التوافق، وهذه بداية سيئة». كما هدد بارزاني بأن «الآلية التي اتبعت هذه المرة غير مقبولة بالمرة، وسيكون لنا موقفنا في القريب العاجل».
وتمسك الاتحاد الوطني الذي تقوده عائلة جلال طالباني ورفاقه، بـ»حقه» بهذا المنصب الذي سيطر عليه لثلاث حكومات متتالية، كما اتهم قادر عزيز عضو المكتب السياسي للاتحاد، مسعود بارزاني بانه «لا يؤمن بوحدة الصف الكردي، لان وحدة الصف في نظره هو ان يكون الجميع تحت امرته» حسب قوله، منتقدا إعلان الحزب الديمقراطي، انه سيشكل حكومة بمفرده وصفها بـ» الديكتاتورية» ومعربا عن أسفه «لتحويل تطلعات شعب كردستان إلى وسائل وليست غايات كما سخر مسعود بارزاني الاستفتاء كوسيلة دون الحديث عن نتائجه الكارثية».
وكان برلمان العراق انتخب من بين 23 مرشحا، السياسي المخضرم والقيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح، رئيسا لجمهورية العراق، بعد مرحلتين من التصويت، منهيا صراعا ماراثونيا عصيبا، خاضه الحزبان الرئيسيان في الإقليم، الديمقراطي والاتحاد الوطني، بذلا خلاله مساعي أسطورية سواء عبر سلسلة مباحثات فاشلة بينهما أو من خلال وفود زارت بغداد لإقناع قادة الأحزاب والكتل إضافة إلى مئات الاتصالات الهاتفية. بل وامتد الحراك إلى ممثلي وسفارات الدول المجاورة والبعيدة، بالتزامن مع أساليب ترغيب وترهيب مورست مع المرشحين الآخرين لإبعادهم عن ساحة المنافسة على المنصب. ليثير هذا الحراك المحموم تساؤلات العراقيين حول منصب يعتبرونه بروتوكوليا، ثبت خلال السنين الماضية، انه لا يقدم لهم شيئا ولا يؤخر، لحل أزماتهم ومشاكلهم المزمنة. 
وحسب العرف السائد المعتاد الذي رسخه الاحتلال الأمريكي في عراق المحاصصة منذ 2003 فقد تم اعتماد التوافق بين القوى السياسية لتقاسم المناصب العليا ومنها الرئاسات الثلاث بحيث يكون رئيس الجمهورية كرديا ورئيس الوزراء شيعيا ورئيس البرلمان سنيا، علما ان السلطة الحقيقية تكون لرئيس الوزراء، ويكون منصب رئيس الجمهورية تشريفيا محدود الصلاحيات، لذا لم يستطع الرئيس السابق فؤاد حسين، مثلا، ان يمنع رئيس الوزراء حيدر العبادي من اصدار أوامره للقوات الاتحادية لاجتياح كركوك والمناطق المتنازع عليها وإبعاد البيشمركه عنها، أو تعطيل تمرير الميزانية الاتحادية رغم إعلانه رفض نسبة الإقليم فيها، وغيرها الكثير من المواضيع الخلافية. 
وقد أثيرت تساؤلات حول سبب إصرار الحزب الديمقراطي على الحصول على منصب رئيس الجمهورية خلافا للعرف السائد في دولة المحاصصة بتولي الاتحاد الوطني هذا المنصب لثلاث حكومات سابقة، حيث فسرت مصادر في بغداد ذلك، أن بارزاني أراد ان يعوض بمنصب رئيس الجمهورية خسارته منصب رئيس الإقليم ووزارة الخارجية، وليلبي حاجته إلى مواصلة التحرك دوليا للترويج لمشروعه في الانفصال عن العراق الذي فشل في مرحلته الأولى. 
وتؤكد مصادر في بغداد، ان الأحزاب الشيعية والسنية ورغم كل محاولات بارزاني لتقديم العروض لها بالتخلي عن المناصب الأخرى مقابل منح مرشحه فؤاد حسين منصب رئيس الجمهورية، إلا انها اختارت برهم صالح، نكاية في بارزاني الذي أصر على إجراء الاستفتاء على انفصال كردستان عن العراق عام 2017 خاصة وانه عاود وبقوة، خلال انتخابات برلمان الإقليم الأخيرة قبل أيام، الحديث عن سلامة قراره واستعداده لإجراء استفتاء ثاني حول الاستقلال. كما ان أحزاب بغداد عموما لا يمكن ان تقبل ان يكون فؤاد حسين، رئيسا للجمهورية وهو من أشد المروجين لمشروع الانفصال عن العراق. ومع ان الكثير من العراقيين يتفهمون المشاعر القومية للكرد في وطن خاص بهم يوما ما، ولكنهم لا يتسامحون أبدا مع من يحاول نقل هذه المشاعر إلى مشروع للانفصال عن العراق لا تدعمه سوى إسرائيل. 
والدكتور برهم صالح، الرئيس التاسع للعراق منذ قيام النظام الجمهوري، والرابع منذ الاحتلال الأمريكي، سياسي مخضرم، انخرط في معارضة النظام السابق ويتمتع بعلاقات خارجية قوية مع الولايات المتحدة وإيران ودول أخرى، واحتل مواقع عليا في حكومتي بغداد والإقليم، وكان موقفه من الاستفتاء على استقلال الإقليم متوازنا، كما سبق ان طرح أفكارا ومشاريع للتغيير والتطور والإصلاح منها مشروع لإعادة تنظيم العلاقة بين بغداد والإقليم. وكان أمرا هاما ان يتعهد الرئيس الجديد أمام مجلس النواب، بأن يكون «رئيسا للعراق وليس لفئة أو جهة معينة أو مكون» داعيا القوى السياسية إلى التعاون لمواجهة التحديات وأبرزها الفساد. ويعد صالح شخصية متوازنة مناسبة للتعامل مع مرحلة النزاع الأمريكي الإيراني.
ويذكر أنه أقدم عقب انتخابه رئيسا للجمهورية مباشرة، بتكليف القيادي الشيعي عادل عبد المهدي لتشكيل الحكومة المقبلة دون الحديث عن الكتلة الأكبر في البرلمان، مما يؤكد وجود صفقة مع الكتل الشيعية والسنية على توزيع المناصب العليا. 
ويتفق الجميع على ان أمام الرئيس الجديد تحديات وأزمات متراكمة ومزمنة عليه مواجهتها، أبرزها تقديم الخدمات وإعادة إعمار المدن المدمرة وبناء مصالحة وطنية حقيقية وتنظيم العلاقة بين حكومتي بغداد والإقليم، ومواجهة مافيات الفساد والمليشيات وإعادة النظر في الدستور المليء بالثغرات والألغام. وإضافة إلى الأزمات والمشاكل الداخلية، تواجه الرئيس صالح مهمة معقدة وشاقة تتمثل في قدرته على تحقيق التوازن في العلاقة بين العراق من جهة وإيران والولايات المتحدة من جهة أخرى، بما يمكن العراق من تجنب تداعيات العقوبات الأمريكية على إيران. 
وفي كل الأحوال، فالمؤكد ان انتخاب برهم صالح رئيسا للجمهورية، سيعمق الخلافات بين الحزبين الكرديين في كردستان العراق، وسيترتب عليه تصعيد خطير في النزاع بينهما، في ضوء تهديدات حزب بارزاني اتخاذ إجراءات منها عدم التعامل مع رئيس الجمهورية الجديد والعودة إلى نظام الإدارتين في الإقليم، فضلاً عن إقصاء الاتحاد الوطني من المشاركة في حكومة الإقليم المقبلة. كما ان هذا الانتخاب سيعقد العلاقة المتأزمة أصلا بين حكومتي بغداد وأربيل أكثر من السابق عقب الاستفتاء على الانفصال وإجراءات بغداد العقابية جراءه.
وسيكون على الرئيس الجديد وفق صلاحياته المحدودة والمقيدة، ان يثبت قدرته على السباحة وسط بحر الأزمات والمشاكل المعقدة في العراق للوصول إلى بر الأمان، وهذا يتوقف بالتأكيد على مدى تعاون القوى السياسية الأخرى معه وخاصة الحكومة المقبلة والبرلمان الاتحادي.

إرسال تعليق

0 تعليقات