يجد عادل عبد المهدي نفسه أمام مهمة قد لا تكون سهلة، لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة خلال المدة الدستورية المحددة التي تنتهي في الثاني من تشرين الثاني المقبل.
ففي الوقت الذي يسعى فيه عبد المهدي إلى تشكيل حكومة كفاءات غير معنية بحجم المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب في مجلس النواب، وتستبعد النواب الحاليين من الترشح لتولي مناصب وزارية، تعتبر بعض الأحزاب أن هذا الأمر غير ممكن في ظل وجود استحقاقات فرضتها نتائج العملية الانتخابية التي جرت في أيار الماضي.
وقرر عبد المهدي المضي بحوارات لوضع التشكيلة الحكومية بعيداً عن الضغوطات الحزبية، وفقاً للنائب السابق فرات الشراع، الذي أكد، لـ"العربي الجديد"، أن عبد المهدي أكد رغبته في أن تكون الحكومة الجديدة متخصصة وبعيدة عن هيمنة الكتل السياسية المتنفذة، وغير قابلة للانصياع لتأثيرات الأحزاب.
وأشار إلى أن رئيس الحكومة المكلف لديه خبرة إدارية سابقة، ويؤمن بفكرة التكنوقراط الإداري في تسيير أمور الدولة العراقية للمرحلة المقبلة، موضحاً أنه سيحرج الأحزاب المتنفذة في مسألة تركيزه على المستقلين والكفاءات غير الحزبية.
واعتبر أن توجهات عبد المهدي تمثل فرصة مناسبة للقوى السياسية العراقية من أجل تغليب المنطق العقلاني، مؤكداً أن إصرار الأحزاب على زج مرشحيها لتولي مناصب وزارية سيضع الكرة في ملعبها، ويحملها وزر أي فشل يصيب عمل الحكومة الجديدة.
ولفت إلى أن عادل عبد المهدي يصرّ على اختيار تشكيلة الحكومة بنفسه، موضحاً أنه يرغب في أن يكون جميع الوزراء من خارج مجلس النواب.
وأشار إلى أن على النواب التراجع عن مواقفهم المطالبة بمناصب وزارية، والاكتفاء بعملهم التشريعي، مضيفاً "ليس بالضرورة أن يكون النائب وزيراً".
إلا أن هذ التوجه يصطدم برغبات عدد من النواب الذين توقعوا فشل الحكومة في حال عولت على المستقلين. وقال النائب عن تحالف "الفتح"، حامد الموسوي، إن "الوزراء المستقلين سيفشلون في إدارة وزاراتهم"، موضحاً أن "بعض الأحزاب ستحاربهم".
واعتبر أن "الوزراء المستقلين لن تكون لديهم القدرة على العمل، بسبب عدم وجود كتل سياسية تقدم لهم الدعم والإسناد"، معتبراً، في تصريح صحافي، أن "العمل الديمقراطي في جميع دول العام يمنح الأحزاب حق تشكيل الحكومات، لأن الوزارات ستفشل في حال تولاها مستقلون"، بحسب قوله.
وأشار إلى أن عادل عبد المهدي اشترط على الكتل السياسية كيفية تشكيل الحكومة الجديدة، موضحاً أن هذا الأمر سيجعله يتحمّل نتائج نجاح أو فشل حكومته.
وفي السياق، قالت النائب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني أشواق الجاف إن الحديث عن حكومة كفاءات أمر جيد، إلا أن ذلك لا يعني القبول باستبعاد الأحزاب الفائزة في الانتخابات، معتبرة، أن توزيع المناصب ينبغي أن يتم وفقاً للاستحقاقات الانتخابية، وبحسب عدد المقاعد التي حصل عليها كل حزب.
وأشارت إلى أن رئيس حكومة إقليم كوردستان والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني نيجيرفان البارزاني زار بغداد أخيراً، وبحث مع القيادات السياسية هناك مسألة تشكيل الحكومة الجديدة، موضحة أن الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد سينال مناصب أكثر.
ورأى سياسيون أن إصرار عبد المهدي على توزير أصحاب الكفاءات والخبرة، مقابل رغبات الأحزاب وتمسكها بالمناصب قد يصل إلى مرحلة الصدام.
وقال النائب السابق عن "ائتلاف دولة القانون"، جاسم محمد جعفر، إن كتلاً سياسية تمارس ضغوطاً كبيرة على عادل عبد المهدي من أجل تعيين شخصيات تابعة لها في التشكيلة الحكومية، مرجحاً حدوث صدام بين رئيس الوزراء المكلف وهذه الكتل.
وأضاف أن "عبد المهدي دعا الكتل إلى تسمية أربع شخصيات لكل وزارة"، موضحاً أن رئيس الوزراء المكلف لديه برنامج تقشفي يسعى من خلاله إلى تقليص عدد الوزارات والمناصب الحكومية بشكل كبير.
ويأتي الضغط الذي يتعرض له عادل عبد المهدي على الرغم من الدعم الواضح الذي يتلقاه من كتل سياسية مهمة، أبرزها تحالف "سائرون" الذي تصدّر نتائج الانتخابات التشريعية العراقية بـ 54 مقعداً. وأكد عضو في تحالف "سائرون"، التابع للتيار الصدري، طلب عدم الكشف عن هويته، أن التحالف يقدم الدعم الكامل لعادل عبد المهدي في جهوده لتشكيل حكومته.
وقال إن زعيم التيار مقتدى الصدر أوضح، في تغريدته الأخيرة، دعمه تشكيل حكومة من الوزراء المستقلين، معلناً عدم ترشيح أي وزير من قبله. وأضاف "إلا أن رئيس الوزراء المكلف يتعرض لضغوط من قبل بعض القوى السياسية الفائزة في الانتخابات من أجل القبول بمرشحيها للوزارات"، مشيراً إلى أن تحالفه يأمل في أن يتمكن عبد المهدي من تشكيل حكومته من التكنوقراط المستقلين، بعيداً عن الضغوط الحزبية، وخلال المدة الدستورية التي تنتهي في مطلع الشهر المقبل.
لكن هذا الدعم قد لا يكون مطلقاً، بحسب العضو بتحالف "سائرون"، علي مهدي، الذي حذّر رئيس الوزراء المكلف من خطورة التنصل من تطبيق البرنامج الحكومي، موضحاً، في حديث نقلته وسائل إعلام محلية، أن تحالفه سيسحب دعمه لعادل عبد المهدي في حال كرر تجربة من سبقوه بالمنصب.
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، حسان العيداني، أن الصراع يبدو واضحاً بين رغبة عبد المهدي في تشكيل حكومة كفاءات وتكنوقراط من جهة، وضغوط الأحزاب الراغبة في استمرار هيمنتها على السلطة من جهة أخرى.
وأوضح أن "هذا الأمر وضع رئيس الوزراء المكلف أمام خيارين، أحلاهما مر، إما المضي بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وتحمل تبعات ذلك أمام الأحزاب، وإما الرضوخ لرغبات الكتل المتنفذة، والقبول بتمرير وزرائها، وفي هذه الحالة لن تختلف حكومته عن الحكومات الخمس التي سبقتها".
يشار إلى أن الحكومة التي كلّف عادل عبد المهدي بتشكيلها تعد السادسة بعد الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003. فالحكومة الأولى، التي تشكّلت في عام 2004، برئاسة إياد علاوي، كانت مؤقتة. وفي 2005 ترأس إبراهيم الجعفري الحكومة الانتقالية، وبعد ذلك تولّى نوري المالكي رئاسة حكومتين متتاليتين في الفترة من 2006 حتى 2014، ليسلم رئاسة الوزراء في 2014 إلى حيدر العبادي الذي ما يزال يقود حكومة تصريف أعمال تنتهي مهامها بشكل كامل مع إعلان عادل عبد المهدي اكتمال تشكيلته الحكومية، والتصويت عليها في مجلس النواب.
0 تعليقات
نرحب بتعليقاتكم