كتب : أسامة مسلم
تشكل مرحلة الطفولة احدى أهم المحطات الرئيسية والهامة في مسيرة حياة الانسان الطويلة تاركه عبر احداثها وأروقتها وتجاربها أعمق وأجمل البصمات في بنيان وتكوين شخصيته , ويعيش أطفال العالم النامي واقعا مريرا من خلال ظاهرة تشغيل الاطفال واستغلالهم في كافة الاعمال الشاقة بأشكال متعددة من اهمها , تشغيل وتسخير الاطفال بعمل يكونون غير مؤهلين له من الناحية الجسدية والنفسية على الرغم من ان الكثير من الاتفاقيات الدولية أبرمت قوانين تجرم استغلال الأطفال , لذلك يجب التركيز على ان الطفولة بنيان هش يتطلب عناية ورعاية فائقة , تضمن لذلك البنيان النماء والتكامل بصورة ايجابية متوازنة .
تري ياسمين عليان " دكتورة علم نفس التربوي " ان ظاهرة عمالة الاطفال تمثل خروج واضح عن مبادئ الحماية الاجتماعية وهي من أخطر الظواهر التي بدأت تنتشر في انحاء كثيرة من المجتمعات العربية , وتعرفه عليان على انه العمل الذي يضع اعباء ثقيلة على الطفل فيهدد سلامته وصحته ورفاهيته , ويستفاد من ضعف الطفل وعدم قدرته في الدفاع عن حقوقه .
وتؤكد عليان ان سبب لجوء الاطفال الى العمل مما يعانوه من ظروف قاسية اجبرتهم على العمل في الحرف الشاقة مثل : الميكانيكية ,والكهربائية , ومشاحم السيارات ,ومصانع المواد الكيميائية , مما يعرضهم للخطر بالإصابة بإمراض خطيرة , ويستنزف طاقاتهم البدنية والعقلية , وكما يحرمهم من حقوقهم التربوية والتعليمية والترفيهية والنفسية .
وتنوه عليان انه يجب على المؤسسات التربوية وحماية الطفولة النظر والاهتمام في فئة الاطفال عن طريق تلبية احتياجاتهم من حاجات غذائية وتربوية ونفسية لسد ثغرة الحرمان ، إلى جانب توفير الرعاية التربوية والنفسية لإعادة تأهيل هذه الفئة ، وتعزيز القيم الخلقية والتربوية .
ويري ميثاق الضيفي "دكتور العلاقات الدولية والاقتصاد " ان ظاهرة عمالة الأطفال تعد من الانتهاكات الصارخة التي تعمل على زلزلة مقومات الحياة بأكملها , خلافا للممارسات التعسفية المتسلطة التى تجعل الطفل يعاني من الاندماج والانخراط في المجتمع , ويولد لديه انكسارات متلاحقة تطارده وتعيق نجاحه وتصنع شروخ عميقة تتوطن في اللاوعي عنده.
ويشير الضيفي انه عندما تفتقر سياسات الدول الى قواعد واضحة فيما يتعلق بحماية الطفولة والاهتمام بها ودعمها تتكشف الازمة وتنتشر ويصعب ايجاد طريقة لحل تلك الازمة , مثل الازمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تتعرض لها المجتمعات فقد تلجأ بعض العائلات الى دعوه ابنائهم الى العمالة وترك الدراسة لتوفير الاحتياجات الاساسية من مأكل ومشرب ودواء ودفع فواتير , وهناك من يعتبر عمالة الاطفال ليست بأزمة مثل ارباب الاعمال لأنهم يعتبرونها الية صالحة تدر عليهم أموال وإرباح طائلة ,بسبب غياب القانون الذي يعاقب بشدة هذا النوع من الجرائم بحق انتهاك حقوق الاطفال .
ويؤكد الضيفي على أهمية تفعيل دور السياسة الاقتصادية للدول في رعاية الطبقات الفقيرة والعمل على تبني وتوفير الاحتياجات الأساسية للعائلات المحتاجة وتوفير برامج حماية اجتماعية والعمل على تحسين دخل الاسر والحد من عمالة الاطفال..
ويتساءل الضيفي لماذا تستمر ظاهرة عمالة الاطفال ؟؟؟ ومن المستفيد من تلك الظاهرة ؟؟؟ وما هو السبب الرئيس الذي يعزز نوع من الحلقة المفرغة ؟؟؟ ومن هو المسئول عن عزوف الاطفال عن التعليم واستبداله بالعمل ؟؟؟
وتري نيرمين البورنو " دكتورة تكنولوجيا التعليم , مشرف تربوي" ان ظاهرة عمالة الأطفال هي ظاهرة خطيرة شهدناها في الفترة الاخيرة , والتي دفعت الكثير من الأطفال الى ترك مدارسهم بسبب ظروف الحرب والفقر والحصار والصراعات والكوارث العامة وغلاء المعيشة بشكل جنوني وانعدام الدخل مما يدفع الأب مكرهاً إلى الاعتماد على أطفاله لمساعدته في تأمين احتياجات الأسرة , وتشير تقديرات اليونيسيف الى ان هناك حوالي 150 مليون طفل تتراوح اعمارهم ما بين 5 اعوام و 14 عاما في البلدان النامية وحوالي 16 في المائة من جميع الاطفال في هذه الفئة العمرية , ينخرطون في عمالة الاطفال , وتقدر منظمة العمل الدولية أن هناك نحو 215 مليون طفل دون سن 18 عاماً يعملون ويعمل كثير منهم بدوام كامل.
وتضيف البورنو ان ظاهرة عمالة الاطفال بدأت بالانتشار والتوسع بشكل أفقي , أي توزع الأطفال على عدد لا بأس به من المهن المتنوعة كبيع المحروقات على الطرقات ، مما يجعله عرضة للموت ، وكذلك العمل في ورشات الميكانيك والكهرباء ، وقد يصل بهم الحال إلى العمل في ورشات تتطلب جهوداً عضلية لا تتناسب مع جسدهم الصغير.
وتشير البورنو ان منظمة التغذية والزراعة "الفاو" التابعة للأمم المتحدة تتحدث على ان هناك اطفال سوريين في بلاد عربية لا يتجاوز سنهم العاشرة ,يتم تشغيلهم في أعمال تقصم ظهورهم بصعوبتها ، من قبيل رفع أحمال ثقيلة تشكل خطرا على أجسادهم الصغيرة ، ونثر مبيدات نباتية وجمع محصول البطاطس في حقول بيوت زجاجية ترتفع داخلها درجات الحرارة إلى مستويات غير مقبولة.
وتؤكد البورنو ان مشكلة غياب الادراك لدى بعض اولياء الامور عن مدي أهمية هذه المرحلة في حياة الطفل , و تأثيرها على الحالة الجسدية والنفسية ودورها البارز في تكوين ميوله و اتجاهاته في المستقبل ، سبباً آخر من أسباب عمالة الأطفال.
وأكد الخبراء الثلاثة على انه ينبغي على الجهات المختصة العمل على إيجاد حلول جدية وواقعية للحد من انتشار تلك الظاهرة التي باتت تشكل ازمة خطيرة يتعرض لها الطفل ، والعمل على وجود برامج توعية للمجتمع , وخلق فرص عمل للشباب , وتأمين بدائل مناسبة لأرباب الاسر , حيث يؤدى هذا لمواجهة الظاهرة التي باتت تفتك بأجساد الاطفال , علاوة على اضرارها الجسيمة على المجتمع ككل .
0 تعليقات
نرحب بتعليقاتكم