المانيا الى اين ....

المانيا الى اين ....


فارس آل سلمان

هناك قلق كبير على القطاع الصناعي الالماني

فقد ارتفع عدد طلبات الإفلاس التي قدمتها الشركات الألمانية في حزيران/يونيو إلى أعلى مستوى منذ عام 2016، بحسب ما ذكره بيان معهد لايبنيز للبحوث الاقتصادية.

وبحسب المعهد، فإن "عدد الشركات المفلسة في ألمانيا في حزيران/ يونيو بلغ 1050 شركة"، وبالتالي "وصل إلى أعلى مستوى منذ عام 2016".

وفقا للمعهد، نتيجة لإفلاس 10% من الشركات الكبرى، التي قدمت طلبات إفلاس، أصبحت نحو 15 ألف وظيفة تحت الخطر، وهو أعلى رقم منذ آب/أغسطس 2020 حيث ازمة كوفيد.

 

و هناك خوف من حصول تراجع اقتصادي في ألمانيا التي تمثل أكبر اقتصاد أوروبي حيث اشارت توقعات صندوق النقد بأنها الوحيدة التي ستشهد انكماشا في 2023 وهذا يحرج حكومة أولاف شولتس.

 

وسجل الاقتصاد الالماني نمو إجمالي في الناتج المحلي بقيمة صفر بين نيسان/ أبريل و حزيران/يونيو بعد ربعين متتاليين من التراجع وفقا لأرقام نهائية نشرت يوم الجمعة الماضي.

 

تعاني الصادرات والصناعة عموما من مشاكل وهذا يؤثر سلبا على الاقتصاد الألماني برمته. فهما القطاعان الأساسيان في الاقتصاد الألماني و يتأثران بارتفاع الأسعار ونسب الفائدة وصعوبات الاقتصاد الصيني.

 

وكان وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك قد صرح لصحيفة "دي تسايت"، أن "50 % تقريبا من إجمالي الناتج المحلي الألماني يأتي من الصادرات، فهي مصدر ثروتنا.. و عندما يضعف الاقتصاد العالمي تتضرر ألمانيا أكثر من غيرها".

 

يذكر أن الحرب في أوكرانيا ادت لارتفاع اسعار النفط والغاز عالميا وتستوردهما المانيا بالدرجة الأولى من روسيا كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية كالقمح وزيوت الطعام النباتية التي تُعد أوكرانيا وروسيا أكبر مصدرين لها في العالم. فخلال الشهرين الماضيين على سبيل المثال ارتفع سعر الديزل بنسبة وصلت إلى نحو 30% في حين ارتفع سعر البنزين بنسبة وصلت إلى أكثر من 15%. ومع استمرار الحرب تذهب حتما سترتفع الاسعار مع حلول الشتاء القادم، حيث يزداد الطلب على الطاقة. وعلى هذا الأساس دعا وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك في أكثر من مناسبة المستهلكين والشركات إلى الاستعداد لمزيد من الارتفاع في الأسعار؛ مضيفا بأن حكومته "أطلقت برامج مساعدات وقروض مختلفة"، غير أنها "لا تستطيع بمفردها مواجهة التبعات التي ينبغي على الاقتصاد القومي ككل تحملها".

 

ومع ارتفاع الأسعار تزداد تكاليف الإنتاج، مما ينذر بتراجع الطلب على المنتجات الألمانية التي تعتمد بكثافة على مواد مستوردة. خصوصا صناعة السيارات والآلات الثقيلة التي تشكل عماد الصادرات الألمانية. في هذا السياق أفاد مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني أن الطلبيات في قطاع الصناعة تراجعت خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي بنسبة حوالي 5%.وبلغت نسبة التراجع من خارج منطقة اليورو على صعيد الآلات والأنظمة التقنية والسلع الاستثمارية أكثر من 13%. ورغم أن ارتفاع الطلبيات على هذه السلع من منطقة اليورو بنسبة حوالي 6% خفف من وطأة التراجع العالمي لها، فإن هذه النسبة تنذر بخطر كبير على مستقبل صناعة اعتمد بقائها منذ عقود على التصدير.

 

وهناك عامل آخر و هو ان الصين الشريك التجاري الاكبر لالمانيا تواجه بدورها صعوبات لانعاش اقتصادها فضلا عن ان أزمة الطاقة التي عانت منها الشركات الألمانية التي كانت تحصل على الغاز الروسي بأسعار منخفضة، وباتت تشتريه من مزودين يفرضون أسعارا أعلى كما اوردنا في اعلاه.

 

و هذا ادى الى الدخول في نفق التضخم حيث يستمر ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم في ألمانيا بنسب لم تعرفها خلال العقود الأربعة الماضية. وحسب مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني وصل معدل التضخم في آذار/ مارس الماضي إلى 7.3%. وارتفعت  أسعار المسهلك في شهر أبريل/ نيسان والتي تشمل احتساب معدل أسعار 650 سلعة، بنسبة قاربت 7.5% مقارنة بمستواها في نفس الشهر من العام الماضي.

في حين ان أسعار مواد البناء والسلع الغذائية كالحليب والخضار وزيوت الطعام النباتية والخبز والحديد والخشب قفزت فوق ذلك بعدة اضعاف.

و هذا مؤشر خطر لاحظه صناع القرار لانه يؤثر على المستوى المعيشي للافراد الحاصلين على دعم اجتماعي (هارتس4) بحدود 400 يورو شهريا ولأصحاب الدخل المحدود الذين يكسبون ما بين 1000 إلى 1500 يورو شهريا.

 

هذه التحديات انعكست على الائتلاف الحكومي المؤلف بشكل غير مسبوق من الاشتراكيين الديموقراطيين المتحالفين مع الخضر، الذين يتولون حقيبة الاقتصاد، والليبراليين المكلفين وزارة المال.

حيث اندلعت انقسامات تهدد بقاء الحكومة الالمانية

 

فوزير الاقتصاد الالماني روبرت هابيك يؤيد تثبيت اسعار الكهرباء حتى عام 2030 لأكثر الصناعات استهلاكا للطاقة من خلال دعم نفقاتها.

ويقدر الوزير كلفة هذا الإجراء ب20 مليار يورو، وهو يهدف إلى المحافظة على قدرة قطاعات معينة على المنافسة مثل الكيماويات والتعدين، بانتظار تطوير قطاعي إنتاج الطاقة من الشمس والرياح.

في حين ان وزير المال الليبرالي كريستيان ليندنر يقول "يستحيل التدخل مباشرة في السوق من خلال توزيع الدعم". أما أولاف شولتس فهو يعارض أيضا أي آلية تعطي امتيازا لقطاعات معينة، خلافا للكثير من نواب حزبه.

ويعول كريستيان ليندنر على تخفيضات ضريبية للشركات. إلا أن اعتراض وزيرة مدافعة عن البيئة حال دون أن يقر مجلس الوزراء حزمة تخفيضات ضريبية تزيد عن 6 مليارات يورو الأسبوع الماضي.

وكتبت صحيفة "بيلد" الشعبية "الائتلاف مجددا على شفير الانهيار. يا لها من انطلاقة سيئة بعد عطلة الصيف!"

و يرى الخبير مارسل فراتشكير مدير معهد "DIW Berlin" الاقتصادي أن "مشكلة ألمانيا ليست ظرفية بل بنيوية".

وأوضح في تحليل صدر هذا الصيف أن ألمانيا بحاجة "إلى برنامج تحول على المدى الطويل مع ضخ كمية كبيرة من الاستثمارات وتخفيف الإجراءات البيروقراطية وتعزيز الأنظمة الاجتماعية".

وثمة إجماع واسع على تشخيص المشكلات التي تتمثل في عدم القدرة على توقع كلفة الطاقة على المدى المتوسط، وعبء الضوابط والقواعد المعتمدة ونقص اليد العاملة المؤهلة، والرقمنة البطيئة جدا، بمجملها هي التي تكبح الشركات في أكبر اقتصاد أوروبي.

ويتفق الجميع أيضا على أن "خفض الضرائب وبرنامج الانعاش الاقتصادي التقليدية ليست الإجراءات المناسبة في ظل الوضع الراهن" على ما أكد خبير الاقتصاد سيبستيان دوليين.

 

إزاء الكلام عن وضع الاقتصاد المقلق، يحاول خبراء التخفيف من المخاوف. حيث يقول كليمنز فويوست من معهد ايفو الاقتصادي  إن "ألمانيا أشبه بشخص أربعيني حقق نجاحا لفترة طويلة لكن بات عليه تغيير مساره المهني الآن".

ويرى هولغر شميدينغ الخبير الاقتصادي لدى برينبرغ، أن ذلك صعب لكنه غير مستحيل.

 

ويرفض ألاوف شولتس مستشار المانيا (رئيس الوزراء) الكلام المتشائم. حيث قال مؤخرا: "يجب ألا نرسم صورة قاتمة وأن نصطنع أزمة"، مشيرا إلى أن شركة "إنتل" الأمريكية العملاقة في صناعة شبه الموصلات اختارت ألمانيا لاستثمار مبالغ كبيرة فيها.

 

و يطالب المحللون الاقتصاديون الالمان بضرورة التخلي عن التنمية في ظل عولمة ليبرالية منفتحة لصالح "عولمة منظمة" اي مقننة على حد تعبير الكاتب الصحفي توماس فريكيه في مقال له على موقع شبيغل تحت عنوان "وداعا حلم المعجزة الاقتصادية الألمانية". وما يعنيه ذلك حسب الكاتب وكتاب آخرين هو العمل على توفير المواد الأولية والسلع الاستراتيجية عن طريق الإنتاج المحلي والأوروبي قدر الإمكان، وتقليص الاعتماد على مورد واحد في توفيرها إلى نسب لا تتجاوز الثلث في أحسن الأحوال.

و يبدو ذلك حلما وهدفا صعب المنال في بلد يفتقر للمواد الأولية ولديه صناعات كيمياوية وثقيلة تحتاج إلى مصادر طاقة تقليدية بشراهة قل نظيرها.

 

*رئيس الهيئة الادارية لمنتدى بغداد الاقتصادي

إرسال تعليق

0 تعليقات