رفيق خوري كاتب مقالات
أطول حرب في التاريخ هي الحرب على الإرهاب، وأكثر حرب تستطيع الدول الراعية للإرهاب رفع شعارها هي الحرب على الإرهاب. فهي حرب لا تنتهي، لا بقتل القادة وآخرهم أيمن الظواهري خليفة أسامة بن لادن في زعامة "القاعدة"، الذي قتلته الولايات المتحدة الأميركية في كابول عاصمة أفغانستان، ولا بالتركيز على أسباب الإرهاب وحصرها في الفقر والقمع والجهل والسعي لمعالجتها، ولا بإعطاء الأولوية لمحاربة الإرهابيين على أسباب الإرهاب، لأن الأسباب "ليست الفقر والقمع" إذ كوادر التنظيمات الإرهابية هي "من الطبقة الوسطى" كما يرى المؤرخ الأميركي والتر لاكوير، ولا بما دعا إليه الدكتور هنري كيسينجر في "الإيكونوميست"، وهو "تقليص محاربة الإرهاب إلى الاحتواء، لا التدمير".
والتجارب حية، فأميركا قتلت أسامة بن لادن في باكستان فبقي تنظيم "القاعدة" وأسهم مقتله في ولادة تنظيم "داعش"، وقتلت في بغداد الجنرال قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، فأخذ مكانه إسماعيل قاآني وصار وكلاء الملالي من الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن أقوى. بين الذين قتلتهم أميركا أبو عمر البغدادي، وأبو بكر البغدادي "الخليفة الداعشي" وخلفه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، ثم خلفه وعدد من قادة "داعش" لكن التنظيم بقي. صحيح أن قتل الظواهري أسهم في مزيد من إضعاف السلطة المركزية في "القاعدة"، لكن الصحيح أيضاً أن الفروع التي صارت أكثر استقلالية في اليمن والصومال وسوريا والهند وسواها صارت أكثر حرية في العمل وأكثر قدرة على الإرهاب، ولو عبر "الذئاب المنفردة". "هيئة تحرير الشام" التي يقودها أبو محمد الجولاني والمرتبطة بـ"القاعدة" تسيطر على محافظة إدلب وأجزاء من ريف حماة وحلب، وتنظيم "حراس الدين" يلعب إلى جانب الجولاني على المسرح نفسه. وفي انتظار خليفة الظواهري، فإن لتنظيم "القاعدة" "مجلس شوري عالمياً" أبرز أعضائه "سيف العدل" محمد صلاح زيدان الضابط المصري السابق، وأبو عبدالرحمن المغربي صهر الظواهري، وأحمد ديري أبو عبيدة أمير "حركة الشباب" الصومالية.
ذلك أن "القاعدة" كما "داعش" فكرة لا مجرد تنظيم عسكري، والفكرة لم تفقد جاذبيتها على أساس الدعوة إلى استعادة الخلافة الإسلامية بعد إلغائها مع سقوط السلطنة العثمانية، فمن أجل الخلافة أنشأ الشيخ حسن البنا "الإخوان المسلمين"، ومن أجلها وباسمها ظهرت بقية التنظيمات المتشددة باسم الإسلام السياسي، لا بل إن "القاعدة" صار كما هي حال "داعش" نوعاً من "ماركة جهادية"، فالذين انشقوا عن حركة "طالبان" في أفغانستان استخدموا باسم "داعش"، وكل من يحلم باستعادة الخلافة في إندونيسيا والهند وباكستان ونيجيريا وتشاد يبايع زعيم "داعش" من دون أن يعرفه.
يقول المتخصص الفرنسي في الحركات الأصولية جيل كيبل، في كتاب "النبي والجائحة"، إن الإسلام السياسي خسر شعبيته، والصراع الأصولي، السني- الشيعي، تراجع إلى المواقع الخلفية. و"الصراع اليوم بين الإسلام السياسي وخصومه، بعدما صار التحرك من أسلمة الحداثة إلى تحديث الإسلام". ربما، لكن نصيحة دانيال بايمان في "فورين أفيرز" هي "تعلم العيش مع الإرهاب". أما إليوت أكرمان الضابط في المارينز الذي خاض حرب فيتنام وظن أنه جاءها في النهاية فاكتشف أنها في البداية، فإن "النصر على الإرهاب"، في رأيه، "ليس تحقيق نتيجة إيجابية هي تدمير العدو بل ربح سلبي عندما لا تحدث عمليات".
لكن قتل القيادات الإرهابية مستمر، لأنه ورقة مهمة للرؤساء في الداخل والخارج، وقادة الدول مستمرون في تصفية المعارضين لهم بحجة أنهم إرهابيون، والإرهاب مستمر لأنه "مهنة" للقيادات.
0 تعليقات
نرحب بتعليقاتكم