الأزمة الأوكرانية في مرحلة حساسة... هل اقترب الانفجار؟

الأزمة الأوكرانية في مرحلة حساسة... هل اقترب الانفجار؟

  

  فوزي أبو ذياب               


دخلت الأزمة الأوكرانية مرحلة دقيقة وحساسة، في ظل الحشود العسكرية المتبادلة على ضفتَّي النزاع، والتي تنذر باقتراب لحظة الانفجار. إلّا أنّ توازن الرعب يعطي فرصاً جدية للمفاوضات الجارية على أكثر من صعيد، حيث يتولى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، متابعتها بشكلٍ مباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبالتشاور مع الرئيس الأميركي جو بادين، وسط حراكٍ ألماني وبريطاني ناشطٍ على خط التهدئة.

وفيما تحذّر الولايات المتحدة الأميركية من اقتراب موعد إكمال الجيش الروسي تحضيراته اللوجستية والعسكرية لاجتياح أوكرانيا، تنفي روسيا نيّتها في ذلك، مطالِبةً الغرب وحلف شمال الأطلسي بضمانات أمنية تتمثل بانسحاب قوات الناتو من دول أوروبا الشرقية، وعدم السماح لكييف بالانضمام إلى الحلف، حيث ترفض واشنطن تقديم تلك الضمانات.


وعلى وقع وصول الدفعة الأولى من القوات الأميركية إلى بولندا لدعم قوات الناتو، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن أحد كبار الدبلوماسيين الروس قوله، "إنّ مصير محادثات الحد من الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة سيعتمد بشكل كبير على تقدّم المفاوضات بشأن مطالب موسكو الأمنية". وأشار إلى أنّ "الاجتماع بين الرئيسين الفرنسي والروسي مهم جداً، غير أنّ الوضع أكثر تعقيداً من توقّع اختراق حاسم خلال لقاء واحد".


المشهد الذي صنعه الرئيس الروسي خلال الأسابيع الماضية، خلال المناورات العسكرية التي أجرتها قوات بلاده مع بيلاروسيا، والحشود على كامل حدود أوكرانيا الجنوبية والشرقية والشمالية، أكّدت أنّه يريد إعادة بناء اتّحاد جديد ليس أقل من الاتحاد السوفييتي في دوره على المسرح الدولي، وبالتالي فإنّ البُعد الرئيسي للصراع ينطوي على فكرة بوتين الرئيسية، والتي سبق أن أعلن عنها خلال حديثه عن خطأ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وتفكيكه، وبالتالي فإنّ بوتين يحاول بسط قوة النفوذ الروسي ليعزّز من دور موسكو في المعادلة الدولية. ومن هنا يمكن فهم طبيعة الموقف البريطاني الذي ذهب إلى أبعد من واشنطن في مسألة الأزمة الأوكرانية بالقول إنّ روسيا تريد اجتياح أوكرانيا، و(بريطانيا) بنَت سياستها أمام الحشود الروسية على قاعدة أنّ بوتين يريد السيطرة على أوكرانيا باعتبارها بوابة أوروبا. فالصراع التاريخي بين القيصر الروسي والمملكة العظمى يعود إلى القرن التاسع عشر، عندما أوقفت الامبراطورية البريطانية التمدّد الروسي جنوباً.


الموقف الأميركي بقي في مساحة معتدلة عندما أعلن، "لا أحد يعرف ماذا يجري في ذهن بوتين، لأنّه الوحيد الذي يقرّر ما إذا كان يريد شن الهجوم على أوكرانيا أم لا، أمّا الواقع فيقول إنّ حشد ثلث القوة العسكرية للجيش الروسي في محيط أوكرانيا، يعني أنّه قادر على اجتياح أوكرانيا بين 48 و72 ساعة على أبعد تقدير".


خطورة التصعيد الروسي تنمّ عن اعتقاد الكرملين أنّ الظرف السياسي الحالي يسمح بإعادة بناء المسرح الدولي، وإعادة توزيع مناطق النفوذ، وأنّ كل قوة لديها القدرة على بسط نفوذها أينما كان عليها أن تستفيد من هذه اللحظة. ويرى بوتين أنّ الادارة الأميركية في ظل رئاسة جو بايدن تمتلك سياسة ضعيفة مترددة غير قادرة على الحسم مع إيران، وغير قادرة على الحسم مع الصين، وغير قادرة على الحسم في عدة ملفات أخرى، فضلاً عن مشكلاتها الداخلية. وهذا التقدير يلتقي مع تقديرات عديدة لبعض القوى الدولية التي تتحدث عن "عالم متعدّد الأقطاب"، ويلتقي أيضاً مع النظرية البريطانية التي تقول إنّ، "الفوضى الدولية تحتاج لإعادة تنظيم، وأنّ الحلف البريطاني – الأسترالي – الأميركي هو مَن سيقود إعادة تنظيم العلاقات الدولية".


من هنا يمكن القول إنّ الرئيس الروسي ذهب نحو سياسة حافة الهاوية، حيث استعد للحرب بشكل يمكنه من حسم المعركة مع أوكرانيا بأقل من 72 ساعة، اعتقاداً منه بأن ذلك سيجعل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في حالة ضعف وتفكّك، سيّما وأنّه يعاني منذ ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الوهن، واعتقاداً من بوتين أنّ سياسة حافة الهاوية تجبر الأميركي على التراجع والتسليم بالمطالب الأمنية الاستراتيجية التي قدّمها كورقة أولية للمفاوضات، وكمقدمة لجلوسه على طاولة المفاوضات الدولية، كما جرى في يالطا أواخر الحرب العالمية الثانية.


حتى الآن يمكن القول إنّ التصعيد الروسي لم يحقّق نتائجه، ولن يجبر خصومه على الرضوخ، وبالتالي فإنّ أمام الكرملين خياران: الاستجابة لاستدعائه الحرب والدخول في وحول أوكرانيا، أو عدم توريط روسيا.


في المقابل تخطّى حلف الناتو أزماته الداخلية، حيث استفاد من التحشيد الروسي لإعادة التموضع بفاعلية في أوروبا الشرقية، كما تجاوزت واشنطن التناقضات الداخلية مع دول الحلف نتيجة سياسات ترامب، وأعادت رسم سياسة دفاعية – هجومية متناسقة مع سياسة الصدم التي تعتمدها الاستراتيجية الأميركية، وليس على قاعدة ما ترغب به برلين وباريس اللّتان تتحدثان عن السيادة الأوروبية. ويبقى أن تكشف الأيام المقبلة أيّ توجّه ستنحو إليه موسكو، وعليه تتحدّد آفاق الصراع المفتوحة الخيارات.

إرسال تعليق

0 تعليقات