بقلم عبدالحسين عبدالرزاق
للازمات الكبرى ما تكشفه من مشاكل وعيوب وتحديات لم يتنبه لها احد وفي الازمات تبدو مشاكلنا الحقيقية عارية ولعل اهم ما يجعل كل شيء واضحا وجليا هو ان الجميع يريدون ان يظهروا بمظهر العارفين والمطلعين على خفايا الامور وانهم وحدهم القادرون على تحليل كل الامور ومناقشة كل الموضوعات والحكم على كل شيء
وفي زمن التواصل الاجتماعي اصبحت الظاهرة اكثر تعقيدا فكل من لديه موبايل ذكي اصبح صحفيا او محللا ستراتيجيا وكاتبا فطحلا او متنبئا جويا او عالما في الطب او فيلسوفا عبقريا
وهذه الظاهرة قد تبدو امرا طبيعيا بالنسبة لمن لا يعرفون ماذا تعني حرية التعبير وما تنطوي عليه من مسؤولية كبرى
ان حرية التعبير لا تعطيني الحق في ان اخوض في كل شيء اي في الذي اعرفه والذي لا اعرفه ان تصرفا كهذا يشكل خطورة كبيرة على ما يجب ان نحيط به علما حول الاحداث
ومن قبل ١٢٠٠ سنة قال ابو نؤاس فقل لمن يدعي بالعلم فلسفة حفظت شيئا وغابت عنك اشياء بالامس ومنذ وقت مبكر جدا بدأت اقرأ ما سمح لي الوقت بأن اقرأه حول قضية انقطاع التيار الكهربائي في محافظات عديدة
وقد قرأت الكثير جدا من آراء منفعلة واخرى هادئة واستمعت الى الكثير من التهليلات وليس التحليلات فقد كانت ساذجة للأسف لانها لا تستند الى معلومات دقيقة ومن مصادر موثوقة ومسؤولة في ذات الوقت كانت المسألة او المشكلة هي ان كل واحد منا يأخذ من الآخر او يعبر عن الفكرة باسلوب ركيك او بلغة تعبانة واملاء كله اخطاء
لقد وجدت احدهم وقد كتب امام اسمه الاعلامي فلان ولما قرأت تحليله لازمة الكهرباء وجدت اخطاءه الاملائية تدل على انه انسان دعي اي ينسب لنفسه ما ليس منه بشيء
ومن اخطائه التي لا يمكن لتلميذ في الابتدائية ان يرتكبها هي انه يكتب هو ب هوه وروءساء برئساء وتأجيل بتئجيل وغير ذلك كثير جدا جدا
وامام هذه الجهالة والضحالة وجدت اننا ازاء صحافة بالاسم فقط
ان اول ما يجب ان يتعلمه الصحفي او الاعلامي هو لغة قومه حتى يستطيع او يتمكن من افهامهم ما يقول
وقد وجدت الكثيرين للأسف لا يحسنون الكتابة فكيف يحسنون ابداء الآراء في الاحداث وتحليلها والكشف عن اسبابها واسرارها وما يمكن ان تتمخض عنه من نتائج او آثار
في جريدة الجمهورية وعندما كنا محررين في قسم الاخبار والتقارير الدولية وكان ذلك في حقبة ثمانينات القرن الماضي كان عدد المحررين في هذا القسم قد جاوز ١٣ محررا يعملون على اعداد صفحة ونصف الصفحة
وكان الخبر يحتل اهمية استثائية و اكبر من اهمية التحليل وكان من شروط الخبر ان يكون له مصدر موثوق ويتحمل المحرر مسؤولية النشر عندما يكتشف رئيس التحرير او من يقوم مقامه ان الخبر لا صحة له
اما التحليلات فليس لكل من هب ودب ان يكتب تحليلا
كانت هذه القضية اي ان تكتب تحليلا وعمرك الصحفي لا يتجاوز العشر سنوات جريمة لا تغتفر
وقد حدث معي مثل ذلك عام ١٩٨٢ حيث قمت بكتابة عمود صحفي وعرضته على رئيس التحرير الاستاذ سامي مهدي فأستحسنه وكتب على هامش الصفحة الاولى ينشر ويقدم على ما قبله
كان عمودا صحفيا متقنا في نظر كل من قرأه من كتاب الاعمدة في الجمهورية وقد عبروا لي عن اعجابهم به الا انهم عبروا في ذات الوقت عن امتعاضهم لنشر عمود لصحفي شاب لم يتجاوز عمره الصحفي ٧ سنوات في ذلك الوقت
وعندما سألت استاذي زيد الفلاحي رحمه الله عن سبب رفضه لنشر العمود على الرغم من استحسانه له او اعجابه به قال عبدالحسين بعدك لم تبلغ سن الرشد
قلت له كيف لم ابلغ سن الرشد وقد جاوزت الثالثة والعشرين
فضحك وقال لكل فن من فنون الصحافة سن معينة
وبما ان العمود هو فكرة ورأي فأن السن التي يجب ان تبلغها حتى تستطيع ان تكتب عمودا صحفيا يجب ان تزيد على ١٥ سنة عمل وممارسة فعلية لأكثر فنون الكتابة الصحفية اهمية وفي مقدمتها الخبر
قلت ولماذا الخبر
قال الخبر اساس كل شيء في الصحافة ومن لا يعرف ما قيمته واهميته لا يعرف شيئا عن الصحافة
قلت وماذا بعد ؟
قال كيف تتصدى الى حدث ما برأي وانت لا تعرف آخر تطوراته وتداعياته
واليوم وحيث ان اكثر من كتبوا عن الكهرباء بعيدون عن مخازن الاسرار فأن الجميع كانوا قد وقعوا في اخطاء فادحة ربما تسببت بتفاقم الازمة وليس في تخفيفها
ولهذا اقول لجميع المدونين يمكنكم ايها السادة ان تعبروا عن امتعاضكم من سوء الخدمة ولكن ليس لكم ان تتجاوزوا ذلك الى نشر اخبار غير صحيحة او ان تدلوا بآراء لا تستند الى معلومات دقيقة
وعليكم ان تعلموا بأن امتلاككم للموبايلات لا يجعل منكم صحفيين او محللين ستراتيجيين في كل شيء
0 تعليقات
نرحب بتعليقاتكم