هادي جلو مرعي
يموت الملايين من البشر سنويا، والآلاف يوميا بأمراض مختلفة مزمنة وعارضة، ولكنهم يموتون على أية حال. غير أن الإتجاه العام للبشرية مختلف في كل مرة فهو يفضل الأمراض التي تأكل الجسد على وفق شعار النار ولا العار لأن الناس يمكن أن يموتوا في بيوتهم، أو في المستشفيات بأمراض السرطان، أو الجلطات الدماغية والسكتات القلبية وإنسداد شرايين القلب، ولكن أن يموت أحدهم بفيروس كورونا، أو إيبولا، أو الطاعون، أو الأمراض التي تظهر فجأة، وتتحول الى حديث الشارع في بلد ما، أو في العالم بأسره فإنها كارثة على النفس والعقل.
هلك ملايين الأوربيين عندما ضرب الطاعون مدنا وقرى ومقاطعات، وصارت الناس تلجأ الى الكنائس والعبادات والتكفير عن الذنوب لرفع البلاء، وهناك من أسس مجموعات من العراة الذين يجوبون المدن والقرى والجبال وهم يجلدون ظهورهم بالسياط كممارسة يبتغون منها تطهير ذواتهم الخاطئة من أدران الذنوب، ولكن هيهات فقد ظل الطاعون يحصد الأرواح، ويدمر الناس وحياتهم الطبيعية التي إعتادوها، وساهم في تشكيل حياة جديدة وكأنه ثورة، أو إنقلاب على السائد ليغير المفاهيم وأساليب الحياة، ويفيض بالخوف والرعب والمجهول.
شاع في الأيام الأخيرة، ومع إتساع دائرة المرض الخوف من العدوى، وبدا الناس قلقين من العيب والعار الذي قد يلحق بهم، وصرنا نشاهد البعض من المصابين يفرون من المستشفيات، أو من بين أيدي رجال الشرطة، أو يلجأون الى التكتم على المرض، ويتسببون بموت، أو إصابة المقربين منهم، والذين يخالطونهم، وقد ذكر البعض حكايات مؤسفة منها إكتشاف حالة صحية سيئة لرجل تم نقله الى المشفى، وكانت حرارته مرتفعة، وقد حجر عليه المسؤولون، وفي اليوم التالي جاء فريق طبي الى منزل المصاب لحجر عائلته فوجدوهم قد فروا من المنزل، وقد فر الجيران الذين يستحيون من أن يذكر أحد عنهم أنهم مصابون، أو قد يصابون بالمرض القاتل الذي دارت حوله الشائعات، وصار مادة إعلامية على مدار الساعة، ولم يعد أحد من البشر إلا وتحدث ولو قليلا عنه علما به، أو جهلا، والمهم أن يتحدثوا ليكسروا قاعدة الروتين.
عندما تتحول الأمراض والأوبئة الى عار فإن ذلك صعب وممل ومحزن للغاية، ولابد من ثقافة مختلفة تتيح للناس أن يفكروا في سلامتهم وسلامة من حولهم على أن يتسببوا بهلاك أعداد كبيرة، ويخربوا الحياة التي لاتستحق منا سوى أن نفكر في جعلها أكثر أمنا وعافية وسلاما، وليس أن تتحول على أيدينا الى جحيم، فالتضامن بين البشر هو الحل لتجاوز الأزمات.
0 تعليقات
نرحب بتعليقاتكم