فراس الغضبان الحمداني
في وقت مبكر من الصباح دخلت إلى مدينة الموتى الأكبر في العالم بأحيائها وشوارعها التي لا تعد ولا تحصى وتكاد تحير العقول والأنظار ويضيع فيها المار ، فهي تتسع لكل زائر ولكن سكانها لا يتكلمون معنا ولا يسمعوننا ولا ينظرون إلينا ولا نراهم ولا نتحسس منهم صوتا ولا همسا ولا ندرك حياة فهم عاكفون في منازلهم وقد وقع عليهم الحجر الأبدي إلى يوم يبعثون .
هؤلاء هم الموتى سكان وادي السلام في مدينة النجف الأشرف ، وما أن تغادر الضريح المقدس للإمام علي بن أبي طالب ( ع ) حتى تتراءى منازل الموتى ، وحين نلج فيها نغيب عن العالم فليس سوى رمال ميتة وشوارع ميتة وجدران صامتة خرساء وصماء ، يستقبلونك بالرهبة التي يبعثونها من تحت التراب حيث تلك المنازل التي يسكنها الكبار والصغار من الفقراء والأغنياء والمتسولين والزعماء والشيوخ وأصحاب العلوم والمعارف والتجار والطيبون والسيئون والذين كانوا جياعا أو شبعى فكلهم في هذه المدينة الصامتة التي لا تتكلم بل تصعقنا بالرهبة .
حين دخلت برفقة الأخ والزميل حسين المحمداوي كان كلانا يبحث عن أحبته ووقفنا على قبر والدة حسين ووالده الحاج زبون وشقيقه الذي قضى في حادث سير ، ولكني عجزت عن العثور على قبر زوجتي التي تركت بنتنا أنس وإبننا مصطفى وهم في عمر الزهور ، كنت أعيش معها وكأني في الجنة حيث كانت تسليني بالأحاديث الجميلة والمواقف الكبيرة واللحظات السعيدة والوفاء والحب المستعر بيننا والإستفادة منها بالمشورة والنصيحة كلما داهمتني النوائب والمتاعب التي لم أجد بعد رحيلها من يقوم بدورها وتركتني للغم والهم والعذاب حتى صرت لا أرى فرقا كبيرا بين الموت والحياة فلا الناس ناس ولا الأصحاب صحاب وصرت أحسب الساعات والأيام التي لا أجد فيها مقدارا من السعادة والذين أرتبط بهم أغلبهم رحلوا عن الدنيا ولم يعد لي سوى الذكريات الباهتة التي لا تجدي نفعا .
الموت خلاص أبكي في إنتظاره أتمناه وأرجوه وأطلبه وأتحداه وأحاول مشاكسته وربما شتمته وتعمدت بالكلام القبيح معه لعله يتحول إلى قاتل فيسلبني طاقة الحياة ولأغادر إلى منزلي الصغير المظلم هناك في وادي السلام ليصيبني الصمم والخرس ولا أقوى على شيء .
لم يبق لي أحد في هذه الدنيا سوى أن بقائي فيها زيادة في الذنوب وإستمرار في الخطيئة ولا قيمة لهذا الوجود بعد الآن ، فتعال أيها الموت تعال وخذني حيث أمي وأبي وأخوتي وزوجتي وأصدقائي ، تعال و أتوسلك أن تستعجل في المجيء ، مالك لا تأتي وما هذا الكسل عني ، تعال تعال أنا بإنتظارك . Firashamdani57@yahoo.com
0 تعليقات
نرحب بتعليقاتكم