المثقف العراقي والسلطة وما بينهما

المثقف العراقي والسلطة وما بينهما




محمود المفرجي الحسيني

تعليق ملفت لأستاذة جامعية من البصرة  العزيزة، ردا على خطاب (عاطفي) لأحد الزعماء، الذي حكم العراق في فترة معينة، كانت أوضاع فترته لا تختلف عن أوضاع ما نعيشه اليوم بوجود الفساد والسخط الشعبي ضده، فضلا عن انه تعامل بقسوة مع إحدى الاحتجاجات التي اندلعت في البصرة.
خطاب هذا الزعيم الذي وضعه بحسابه الشخصي في تويتر، كان فيه لحن في غاية الحزن على الشباب المطالبين بحقوقهم والذين سقطوا في التظاهرات التي تشهدها البلاد، في غاية منه لاستمالة هؤلاء الشباب وشحن عواطفهم واستثمارها دعائيا ضد السلطة الحالية، في أملا منه بالعودة مرة ثانية لكرسي الحكم، فما كان من هذه الأستاذة الجامعية إلا أن تذكره ”بممارسته القمعية“ ضد شباب البصرة في فترة حكمه، وكأنها تقول له : اسكت لا يحق لك الحديث عن دماء الشباب لأنك ساهمت بإراقتها في فترة ما.
الملفت بتعليق هذه الاستاذة، أنها شخصت حالة يجب الوقوف عندها، متعلقة بفلسفة مواقف الزعماء أثناء تسنمهم للسلطة، وتعليقاتهم عندما يكونوا خارجها، بمعنى إن هدف المتصدي للسلطة هو المحافظة على سلطته وليس تلبية مطالب الناس او مراعاة مصالحهم، وهذا الهدف لا ينفرد به العراق، بل كل الدول الشرقية وتحديدا العربية، ولو اطلعنا على باقي التجارب في هذه الدول، لرأينا أن العراق أهونها وطأة، فاذا كانت قوانين العراق تعطي الحق للمواطن بالتظاهر والتعبير عن رأيه، فقوانين هذه الدول تدعم القمع بصورة فاضحة وتمنع اي ممارسة للتعبير عن الرأي، بل تقمع اي رأي بين اثنين يعترض على السلطة  وممارستها، في حين ان الدول الغربية المتحضرة تعتبر رئيس السلطة مجرد موظف يقوم بواجبه تحت المراقبة الصارمة، وما ان تنتهي فترته حتى رجع لمواطن عادي بدون اي امتيازات، حاله حال أي مواطن أخر في بلده.
هذه الأستاذة الشجاعة، التي تمثل النخبة العراقية المثقفة المتصدية لقيادة المجتمع والمسؤولة عن مستقبله، تبنت الخطاب المقنع الذي يفتقده جملة من الزعماء الذين حكموا العراق، من الذين يبرعون بالتنظير ويفشلون بالتطبيق.
الملفت أكثر في خطاب هذه السيدة، أنها فضحت غياب الخطاب المقنع للمثقف العراقي الذي زج نفسه بوسط أضواء السلطة والعيش تحت مظلتها، والارتزاق منها، وهناك تجارب واسماء كثيرة لا داعي لذكرها بسبب وضوحها.
إذن ما نحتاجه في العراق، هو إعادة الثقة للمواطن العراقي بدور مثقفيه ونخبه، بشكل مشابه للخطاب المقفع للأستاذة الجامعية، التي أدلت برأيها والتفاتتها بكل شجاعة.

إرسال تعليق

0 تعليقات