زمن المبادىء مضى ، وهذا زمن الهجرة

زمن المبادىء مضى ، وهذا زمن الهجرة





عراق الأمير
أقسى لحظات العصف الذهني والوجداني في حياة الإنسان ، هي تلك اللحظات التي يمتزج فيهما الفرح بالألم .
في قصة " تحت الشجرة " من كتاب " الفجر الكاذب " للأديب الكبير الراحل نجيبب محفوظ ، يقول النادل للبطل ، زمن المبادىء مضى وهذا زمن الهجرة .
من هنا كانت حكايتي ، بدأت بمشروع هجرة وانتهت بمشروع مواطنة : اليوم هو العاشر من تموز الذي أصبح لي فيه وطنان ، وطن ولدت فيه ، ووطن أقيم فيه ، فلمن يكون ولاء الإنسان عندما يصبح له وطنان ؟!
لا يشك أحد بصعوبة السؤال ، بل وقساوته أيضا . لكن بالعودة الى مفهوم الوطن في ثقافتنا العربية ، نجد الوطن دائما يتقدم على المواطن ، والأرض الجرداء تتقدم على الإنسانية ، ومسقط الرأس غالٍ حتى لو جَزَ رقابنا .. علينا أن نتحمل كل أنواع التنكيل والعذاب التي ينزلها الوطن بنا ، لأن الوطن مقدس حتى لو صادر آدميتنا وأهاننا وأذلنا ليل نهار " بلادي وإن جارت عليً عزيزة " .. ألم يساهم مثل هذا الكلام وغيره في قيام الدولة المستبدة ، ألم تضحك علينا الأديولوجيات الدينية والقومية المتيبسة ، بشعاراتها الكاذبة على مدى عقود طويلة على التظاهر بحب الوطن ، بالرغم من أفئدة الملايين كانت تتشوق الى أوطان الغرب لعلها تحقق شيئا من آدميتها المهدورة ؛ ألم ينقطع أدب المهجر الذي كان مفعما بحب الوطن بعدما أصبحت الأوطان العربية طاردة لمواطنيها .
الغرب وضع للوطن حدودا جردته من قدسيته إن أخل بحق مواطنيه في الحياة والحرية ، فالوطن حيث قلبك ، فإذا كنت تحب بلدا حتى لو لم تولد فيه فهو وطنك الحقيقي وليس وطنك الأم الذي صادر آدميتك منذ اللحظة التعيسة التي ولدت فيها .
أرجو أن لا يفسر كلامي هذه جحودا تجاه الوطن الأم ، فوطني قطعة مني شئت أم أبيت ، فهو ذكرياتنا وأهلنا وأصدقائنا وجيراننا وحاراتنا القديمة وملاعب طفولتنا ومرتع فتوتنا وشبابنا ، ويبقى الشوق والحنين إليه يذبحنا من الوريد الى الوريد .. لكن كذلك علينا أن لا نجحد موطننا الجديد الذي وفر لنا العيش الآمن وأعطانا حقوقا لم نجرؤ في وطننا الأم حتى أن نهمس بها . منحنا كل حقوق المواطنة ، فليس من العدل أن نطالب بالحقوق ونتجاهل الواجبات ؛ خصوصا وفي قوانين هذا البلد ما يعفي المواطن من حمل السلاح في وجه شعبه ووطنه الأصلي .
ختاما أقول لحكام أمتنا بأسف شديد وبمرارة كبيرة ؛ بسببكم تحول الوطن الى منفى ، والمنفى تحول الى وطن حقيقي .

إرسال تعليق

0 تعليقات